قال ابن التين: لما بايع سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار ليلة العقبة اشترط عليهم مواساة من هاجر إليهم، فلما قدم المهاجرون قالت الأنصار: اقسم بيننا وبين إخواننا ويعمل كل واحد سهمه.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنهم لا علم لهم بعمل النخل" فقالوا: يكفونا المؤنة. وهذا من قول المهاجرين. وقال بعضهم: إنه من قول الأنصار، وإن فيه حجة على جواز المساقاة. وليس كذلك، لأنه يصح أن يحتج به على جوازها وإن كان من قول المهاجرين؛ لأنهم ملكوا معهم نصيبًا باشتراطه - عليه السلام - ذاك كما مضى، وتطوعهم بذلك ولم يرجعوا عنه.
فكأنهم جعلوا لهم نصيبًا من الثمرة فيما صار إليهم منهم على أن
يكفوهم المؤنة، فلما جلا بني النضير، وأراد قسم ما سوى الرباع من ما لهم قال للأنصار:"إن شئتم نقسم على ما كنتم عليه في أموالكم، وإن شئتم رجعت إليكم أموالكم، وقسمت لهم دونكم". فاختاروا أخذ أموالهم، وقسم ما سوى الرباع من أموال بني النضير على المهاجرين وثلاثة من الأنصار كانت بهم حاجة وهم: أبو دجانة، وسهل بن حنيف، والحارث بن الصمة.
وقال ابن المنير: أشار البخاري في الترجمة إلى حجة المساقاة، وليس في الحديث حقيقتها؛ لأن الرقاب كانت ملكًا للأنصار، وهم أيضًا العمال عليها، فليس فيه إلا مجرد تمليكهم لإخوانهم نصف الثمر بلا عوض، غير أنهم عرضوا عليهم الملك ثم القسمة، فنزلوا عن الملك المتعلق بالثمرة، وكانوا ساقوا نصيبهم المعروض عليهم بجزء من الثمرة، وكان الجزء مبينًا إما بالنص، أو العرف، أو بإطلاق