للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واحتجَّ مالك بقصة ابن أم مكتوم فقال: وكان أعمى إمامًا مؤذنًا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقبل الشارع وأصحابه والمسلمون المؤذنين في الأوقات والسماع منهم، وقال: إنِّما حفظ الناسُ عن أمهات المؤمنين ما حفظوه من وراء حجاب.

قال المهلب: والذي سَمِعَ صوتَ ابن أمِّ مكتوم من بيته فعلم أنه الذي أمر الشارع بالكف عن الطعام بصوته، فهو كالأعمى أيضًا، يسمع صوت رجل فعرفه فتجوز شهادته عليه بما سمع منه وإن لم يره.

قال ابن القصار: والصوت في الشرع قد أقيم مقام الشهادة؛ ألا ترى أن الأعمى يطأ زوجته بعد أن يعرف صوتها، والإقدام على الفرج واستباحته أعظم من الشهادة في الحقوق.

واحتجَّ من لم يجز شهادته فقال: إن العقود والإقرارات لا تجوز

الشهادة عليها بالاستفاضة، فكذلك لا تجوز شهادة الأعمى؛ لأنه لا يتيقن أن هذا صوت فلان لجواز شبهه بصوت غيره، كالخط لا يجوز أن يشهد عليه حتى يذكر أنه شاهد فيه؛ وإنما كان ذلك لأن الخط يشبه الخط، قالوا: وهذِه دلالة لا انفصال عنها.

والجواب: أن العقود والإقرارات مفتقرة إلى السماع ولا تفتقر إلى المعاينة، بخلاف الأفعال التي تفتقر إلى المعاينة، دليله قوله تعالى: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: ٢٢] فجعل الدلائل على محكم

صنعته ووحدانيته اختلاف الألسن والألوان، ثم وجدنا الخلق قد تتشابه كما تتشابه الأصوات.

فلما تقرر أنه إذا شهد على عين جاز، وإن جاز تشبه عين أخرى.

كذلك يشهد على الصوت وإن جاز أن يشبه صوتًا آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>