وإن وقع له في كتاب الأقضية ما يوهم خلاف هذا الأصل حيث قال: ومن ادعى على رجل قصاصًا وأنه ضربه بالسوط لم يجب عليه يمين إلا أن يأتي بشاهد فيستحلف له (١)، وكان قياسه أن يحلف مع شاهده ويقتص، لكن ملك القصاص فيها إلى المجروح وهو من حقوقه، وهذِه فيها أدب التعدي فقط.
واحتجوا أيضًا فقالوا: الزيادة على النص عندنا نسخ له، وجوابه: إنه بيان لا نسخ؛ لأن النسخ إنما هو ما لو ورد مقترنًا به لم يمكن الجمع بينهما، وهنا لو وردا يمكن، فإثباته كإثبات حكم، كما يأمرنا بالصلاة ثم يوجب الصوم.
وقد تناقض الكوفيون في هذا الأصل، فنقضوا الطهارة بالقهقهة وزادوها على الأحداث الثابتة، وجوزوا الوضوء بالنبيذ وزادوه على إيجاب الوضوء بالماء المنصوص عليه في الكتاب والسنة، ولم يجعلوا ذلك نسخًا لما تقدم، فتركوا أصلهم.
قال المهلب: الشاهد واليمين إنما جعله الله رخصة عند عدم الشاهد الآخر بموت أو سفر أو غير ذلك من العوائق، كما جعل- تعالى- رجلًا وامرأتين رخصة عند عدم شاهدين؛ لأنه معلوم أنه لا يحضر المتبايعين شاهدان عدلان أو أكثر فيقتصرا على شاهد وامرأتين أو على شاهد واحد، هذا غير موجود في العادات بل من شأن الناس الاستكثار من الشهود فنقل الله العباد في صفة الشهود من حال إلى حال أسهل منها؛ رفقا من الله بخلقه وحفظًا لأموالهم، فلا تناقض في شيء من ذلك.