بها عزة السلطان، وتركه إبرار قسمهم مع أنه أمرنا بإبراره، إنما هو مندوب إليه فيما يحسن ويجمُل.
وأما من حلف عليه في أمر لا يحسن ولا يجمُل في دين ولا مروءة فلا يجيب إليه، كما لم يجب إلى ما حلف عليه أصحابه؛ لأنه كان يئول إلى انخرام المقاضاة بالصلح، مع أن ما دعا إليه سهيل لم يكن إلحادًا في أسمائه تعالى، وكذلك ما أباه سهيل من كتابة محمد رسول الله ليس فيه إلحاد في الرسالة؛ فلذلك أجابه - عليه السلام - إلى ما دعا إليه مع أنه لم يأنف سهيل من هذا إلا أنه كان مساق العقد عن أهل مكة، وقد جاء في بعض الطرق:(هذا ما قاضى عليه أهل مكة رسول الله)، فخشي أن ينعقد في مقالهم الإقرار برسالته، وقد سلف أيضًا.
وقوله:(وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ) يدل أن المقاضاة إنما انعقدت على الرجال دون النساء، فليس فيه نسخ حكم النساء على هذِه الرواية؛ لأن النساء لم يردهن كما رد الرجال؛ من أجل أن الشرط إنما وقع برد الرجال خاصة، ثم نزلت الآية في أمر النساء حين هاجرن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبينة لما تقدم من حكم ذلك، وقد سلف ذلك أيضًا.
وقوله لسهيل: ("إِنَّا لَمْ نَقْضِ الكِتَابَ بَعْدُ")، أراد أن يخلص أبا جندل، وقد كان تم الصلح بالكلام، والعقد قبل أن يكتب.
وفيه: أن من صالح أو عاقد على شيء بالكلام ولم يوف له به، أنه بالخيار في النقض.
وأما قول عمر وما قرر عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أنهم على الحق:(ولِمَ نُعْطِ الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا) أي: نرد من استجار بنا من المسلمين إلى المشركين. فقَالَ له:"إِنِّي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ" تنبيهًا لعمر كما سلف.