وقد قام الإجماع على أنه إذا وصى رجل لوارثه بوصية وأقر له بدين في صحته، ثم رجع عنه أن رجوعه عن الوصية جائز، ولا يقبل رجوعه عن الإقرار، ولا خلاف أن المريض لو أقر لوارث (١) نسخ إقراره، وذلك يتضمن الإقرار بالمال وشيئًا آخر، وهو النسب والولاية، فإذا أقر بمال فهو أولى أن يصح، وهذا معنى صحيح، وقد يناقض أبو حنيفة، وهو المراد بقوله: وقال بعض الناس في استحسانه جواز الإقرار بالوديعة والبضاعة والمضاربة، ولا فرق بين ذَلِكَ وبين الإقرار بالدين؛ لأن ذَلِكَ كله أمانة ولازم للذمة. قَالَ ابن التين: إن أراد الوارث فقد ناقض، وإن أراد غيره فلا يلزمه ما ذكره البخاري.
واحتج أصحاب مالك بأنه يجوز إقراره في الموضع الذي ينفي عنه التهمة، وذلك أن المريض يوجب حجرًا في حق الورثة، يدل على ذَلِكَ أن الثلث الذي يملك التصرف فيه من جميع الجهات، لا يملك وضعه في وارثه على وجه الهبة والمنحة، فلما لم يصح هبته في المرض لم يصح إقراره له، ويجوز أن يهب ماله كله في الصحة للوارث، وفي المرض لا يصح، فاختلف حكم الصحة والمرض.
تنبيهات:
أحدها: من الغريب ما حكاه إمام الحرمين في كتاب "الوصايا" قولًا أن إقرار المريض لأجنبي معتبر من الثلث، والمشهور خلافه، وأغرب منه ما حكاه العبدري عن أبي ثور أنه قدم الوصية.
ثانيها: اختار الروياني مذهب مالك: لا تقبل في المتهم وتقبل في غيره، ويجتهد الحاكم في ذَلِكَ لفساد الزمان.
(١) ورد بهامش الأصل: صوابه بوارث، وإليه يرشد ما بعده.