للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال الطبري في "تهذيبه": "يقتسم ورثتي" ليس بمعنى النهي؛ لأنه لم يترك دينارًا ولا درهمًا، فلا يجوز النهي عما لا سبيل إلى فعله، ومعنى الخبر: ليس يقتسم ورثتي. قال الخطابي: بلغني عن ابن عيينة أنه كان يقول: أمهات المؤمنين في معنى المعتدات؛ لأنهن لا يجوز لهن أن ينكحن أبدًا، فجرت لهن النفقة وتركت حجرهن لهن يسكنَّها (١).

ثانيها: إن قلت: كيف يصح هذا الحديث في النهي عن القسمة، وحديث عائشة: لم يترك دينارًا ولا درهمًا (٢)؟ وكيف ينهي أهله عن قسمة ما يعلم أنه لم يخلفه؟ وقد أسلفنا أن معناه الخبر لا النهي، وأجاب القاضي أبو بكر بجوابين:

أحدهما: أنه نهاهم على غير قطع بأنه لا يخلف عينا، بل جوَّز أن يملك ذَلِكَ قبل موته، فنهاهم عن قسمته.

ثانيهما: أنه علم ذَلِكَ وقال: لا يقتسم. على الخبر برفع الميم. ليس ينقسم ذَلِكَ لأني لم أخلفهما بعدي.

ثالثها: فإن قلت: الخبر يرده آية الوصية، قاله الشيعة. وأجاب القاضي بأن الآية وإن كانت عامة فإنها توجب أن يورث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يملكه، فدلوا على أنه كان بملك سلمناه، ولا دلالة فيها؛ لأنها ليست عندنا. وعند منكري العموم لاستغراق المالكين، وإنما تنبئ عن أقل الجمع، وما فوقه مجمل فوجب التوقف فيه، وعند كثير من القائلين بالعموم أن هذا الخطاب وسائر العموم لا يدخل فيها الشارع؛ لأن شرعه ورد بالتفرقة بينه وبين أمته، ولو ثبت العموم


(١) "أعلام الحديث" ٢/ ١٣٤٨.
(٢) مسلم (١٦٣٥) كتاب: الوصية، باب: ترك الوصية.

<<  <  ج: ص:  >  >>