للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومقيس والقينتين وأطلق الباقين، ثم كانت حنين فسبى هوازن ومنَّ عليهم وقتل أبا عزة الجمحي يوم أحد، وقد كان منَّ عليه يوم بدر، وأطلق ثمامة بن أثال، فكانت هذِه أحكامه - صلى الله عليه وسلم - بالمن والفداء والقتل، فليس شيء منها منسوخًا، والأمور فيهم إلى الإمام، وهو مخير بين القتل والمن والفداء يفعل الأفضل في ذَلِكَ للإسلام وأهله، وهو قول مالك (١) والشافعي (٢) وأحمد وأبي ثور.

قَالَ المهلب: وأما قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: ٦٧] فإنها نزلت في أسرى بدر أخذ فيهم برأي الصديق في استحيائهم وقبوله الفداء فيهم، وكان عمر أشار عليه بقتلهم، وأشار عليه غيره بحرقهم استبلاغًا فيهم، فبات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرى رأيه في ذَلِكَ، وكان أول وقعة أوقعها الله بالكفار فأراد الله أن يكسر شوكتهم بقتلهم، فعاتب الله نبيه وأنزل عليه الآية: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} يعني: الفداء {وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [الأنفال: ٦٧] إعلاء كلمته وإظهار دينه بقتلهم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لو نزلت آية عذاب ما نجا منه غير عمر"؛ لأنهم طلبوا الفداء وكانت الغنائم محرمة عليهم (٣).

وقال الطبري (٤) في قوله: "لو نزلت آية عذاب" إلى آخره وقوله: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ} [الأنفال: ٦٨] الآية، إن قيل: كيف استحقوا هذِه اللائمة العظيمة؟ فالجواب أنه - صلى الله عليه وسلم - ومن شهد معه بدرًا لم يخالفوا أمر ربهم فيستوجبوا اللائمة، وأن الذين اختاروا فداء. الأسرى على


(١) انظر: "النوادر والزيادات" ٣/ ٣٢٧.
(٢) انظر: "روضة الطالبين" ١٠/ ٢٧٤.
(٣) نقله ابن بطال في "شرحه" ٥/ ١٧٥.
(٤) الطبري ٦/ ٢٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>