للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والحكم المردود: أن يحكم أن يقروا في أرض المسلمين كفارًا بغير خراج ولا جزية؛ لأنه لا تجوز الإقامة بغير جزية، وإن سألوه أن ينزلهم على حكم الله، أو يحكم فيهم بحكم الله، فإنه لا ينبغي أن يجيبهم إلى ذَلِكَ، لصحة خبر بريدة. "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوا أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا" (١). فإن قلتُ: فكيف جاز للإمام أن ينزلهم على حكم رجل مرضي دينه لا يتجاوز حكم الله ورسوله، ثم أنت تقول: لا يجوز للإمام الإجابة إذا سألوه النزول على حكم الله ورسوله وهذان متباينان؟ قلتُ: لا تباين، فأما كراهتنا للإمام الإجابة على ذَلِكَ فإن ذَلِكَ لا يعلمه إلا علام الغيوب، وإنما يحكمون إذا كانوا أهل دين وأمانة فأصلح ما حضرهم في الوقت، ولا سبيل لهم إلى الحكم بعلم الله، فهذا معنى نهيه، وإن هم نزلوا على حكم رجل من المسلمين ثم بدا لهم في الرضا بحكمه قبل الحكم وسألوا الإمام غيره ممن هو رضي، فللإمام أن يجيبهم إلى ذَلِكَ، وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر عنه أن بني قريظة كانوا نزلوا على حكمه ثم سألوه أن يجعل الحكم لسعد بن معاذ فأجابهم إلى ذَلِكَ، فأما إذا

حكم بينهم الذي نزلوا على حكمه ثم بدا لهم في حكمه لم يكن للإمام رد حكمه إذا لم يخالف حكمه ما يجوز عندنا.

وفيه: أن للإمام إذا ظهر من قوم من أهل الحرب الذي بينه وبينهم موادعة وهدنة على خيانة وغدر أن ينبذ إليهم على سواء، وأن يحاربهم، وذلك أن بني قريظة كانوا أهل موادعة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الخندق،


(١) رواه مسلم (١٧٣١) كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>