للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلما كان يوم الأحزاب ظاهروا قريشًا وأبا سفيان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراسلوهم: إنا معكم فأثبتوا مكانكم. وأحل الله بذلك من فعلهم قتالهم ومنابذتهم على سواء، وفيهم نزلت {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} الآية [الأنفال: ٥٨] فحاصرهم والمسلمون معه حَتَّى نزلوا على حكم سعد.

وفيه -كما قَالَ المهلب-: قد يوافق برأيه ما في حكم الله تعالى، ولا يعلم ذَلِكَ إلا على لسان نبيِّه كما قَالَ - صلى الله عليه وسلم - في سعد (١).

وقد أسلفنا أن قوله: ("قوموا إلى سيدكم") ظاهر في القيام لأهل الدين والعلماء على وجه الإكرام والاحترام، وقد قام طلحة بن عبيد الله لكعب بن مالك لما تيب عليه فكان كعب يراها له. قَالَ السهيلي: وقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصفوان بن أمية ولعدي بن حاتم حين قدما عليه، وقام لمولاه زيد بن حارثة ولغيره أيضًا، وكان يقوم لابنته فاطمة إذا دخلت عليه وتقوم له إذا قدم عليها، وقام لجعفر ابن عمه، وليس هذا معارض لحديث معاوية "من سره أن يتمثل له الرجال قيامًا فليتبؤا مقعده من النار" (٢)؛ لأن هذا الوعيد إنما يوجه للمتكبرين وإلى من يغضب أو يسخط ألا يقام له (٣).

وقال القرطبي: إنما المكروه القيام للمرء وهو جالس. وتأول بعض أصحابنا "قوموا إلى سيدكم". على أن ذَلِكَ مخصوص بسعد، وقال بعضهم: أمرهم بالقيام لينزلوه عن الحمار لمرضه، وفيه بعد (٤).


(١) "شرح ابن بطال" ٥/ ٢٠٢ - ٢٠٤.
(٢) رواه الترمذي (٢٧٥٥)، وقال: حديث حسن.
(٣) "الروض الأنف" ٤/ ١٩٨ - ١٩٩.
(٤) "المفهم" ٣/ ٥٩٢ - ٥٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>