وفيه من الفقه -كما قَالَ الطبري- أن من كان مشتغلًا من الأعمال مما فيه لله برٌّ، وللعبد عليه من الله أجر أنه يجوز أخذ الرزق على اشتغاله به إذا كان في قيامه به سقوط مؤنة على جماعة من المسلمين أو عن كافتهم، وفساد قول من حرم القُسَّام أخذ الأجور على أعمالهم والمؤذنين أخذ الأرزاق على تأذينهم، والمعلمين على تعليمهم، وذلك أنه جنس جعل لولي الأمر من بعده فيما أفاء الله عليه مئونته، وإنما جعل ذَلِكَ لاشتغاله.
فبان أن كل قيم بأمر من أمور المسلمين مما يعمهم نفعه سبيله سبيل عامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أن له المؤنة من بيت المال، والكفاية ما دام مشتغلًا به. وذلك كالعلماء والقضاة والأمراء، وسائر أهل الشغل بمنافع الإسلام.
فصل:
في حديث أبي هريرة من الفقه الدلالة البينة على أن الله تعالى أباح لعباده المؤمنين اتخاذ الأموال، والضياع ما يسعهم لأقواتهم وأقوات عائلتهم، ولما ينوب من النوائب ويفضل عن الكفاية؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - جعل الفضل عن نفقة أهله للسنة ومئونة عامله صدقة، وكذلك كان هو يفعل في حياته، فكان يأخذ ما بقي فيجعله فيما أراه الله من قوة الإسلام، ومنافع أهله، والخيل والسلاح، وما يمكن صرفه في ذَلِكَ، فهو مال كثير، وفي ذَلِكَ دلالة واضحة على جواز اتخاذ الأموال واقتنائها طلب الاستغناء بها عن الحاجة إلى الناس، وصونًا للوجه والنفس واستنانًا بالشارع، وأن ذَلِكَ أفضل من الفقر والفاقة إذا أدى حق الله