للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فذهبت طائفة إلى الأول، وأنه رؤيا منام، مع اتفاقهم على أن رؤيا الأنبياء وحي وحق، وإلى هذا ذهب معاوية، وحكي عن الحسن، والمشهور عنه، خلافه، وإليه أشار ابن إسحاق، وحجتهم: قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ} الآية [الإسراء: ٦٠].

وروى ابن مردويه من حديث الحسن بن علي: أنه - عليه السلام - قال: "رأيت في المنام كأنَّ بني أمية يتعاورون منبري هذا"، فأنزل الله هذِه الآية (١)، وذكره أيضًا من حديث علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، مرسلًا وما حكوا عن عائشة: ما فقدت جسد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٢)، وقوله: "بينا أنا نائم" وقول أنس: وهو نائم في المسجد الحرام، وذكر القصة، وقال في آخرها: "فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام".

وذهب معظم السلف إلى الثاني، وأنه إسراء بالجسد وفي اليقظة، وهذا هو الحق، وهو قول ابن عباس فيما صححه الحاكم، وعدد في "الشفا" عشرين نفسًا، قال بذلك من الصحابة والتابعين وأتباعهم، وأنه دليل قول عائشة وقول الطبري (٣)، وجماعة عظيمة، وهو قول أكثر المتأخرين من الفقهاء، والمحدثين، والمفسرين والمتكلمين (٤).

وقالت طائفة: كان الإسراء بالجسد يقظة، إلى بيت المقدس، وإلى السماء بالروح، واحتجوا بقوله تعالى: {سُبْحَانَ الذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: ١] فلو كان زيارة في الجسد لذكره ليكون أبلغ للمدح.

ثم اختلف هؤلاء: هل صلى ببيت المقدس أم لا؟


(١) ذكره ذلك السيوطي في "الدر" ٤/ ٣٤٦.
(٢) عزاه السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٢٢٧ إلى ابن إسحاق وابن جرير.
(٣) "تفسير الطبري" ٨/ ١٠٣.
(٤) "الشفا" ١/ ١٨٧ - ١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>