للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقوله في أوله: (قيل لأسامة: لو أتيت فلانًا فكلمته) هو عثمان بن عفان كما نبه عليه المهلب، وأراد أن يكلمه في شأن أخيه لأمه الوليد بن عقبة لما شهد عليه مما شهد، فقيل لأسامة؛ ذلك لكونه كان من خواص عثمان، وفي نسخة: لا أكلمه إلا بسمعكم. وفي أخرى: إلا سمعكم. وبخط الدمياطي: إلا أسمعكم. وكله بمعنى أتظنون أني لا أكلمه إلا وأنتم تسمعون؟ فقال: قد كلمته فيما بيني وبينه.

وقوله: (إني لأكلمه في السر) يعني: أأجاهر بالإنكار على الأمراء في الملأ فيكون بابًا من القيام على أئمة المسلمين، فتفترق الكلمة وتتشتت الجماعة -كما كان بعد ذلك من تفريق الكلمة من مواجهة عثمان بالنكير.

وفيه: الأدب مع الأمراء واللطف بهم ووعظهم سرًّا، وتبليغهم قول الناس فيهم؛ ليكفوا عنه، وهذا كله إذا أمكن، فإن لم يمكن الوعظ سرًّا فليفعله علانية؛ لئلا يضيع الحق كما روى طارق بن شهاب، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جاثر" (١) وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد بإسناد حسن (٢). قال الطبري: معناه: إذا أمن على نفسه من قتل وشبهه، أوأن يلحقه من البلاء ما لا قبل له به.

روي ذلك عن ابن مسعود وحذيفة، وهو مذهب أسامة. وروي عن مطرف أنه قال: والله لم يكن لي دين حين أقوم إلى رجل معه ألف سيف فأنبذ إليه كلمة فيقتلني، إن ديني إذًا لضيق. وقال آخرون: الواجب على من رأى منكرًا من ذي سلطان أن ينكره علانية، وكيف أمكنه. روي ذلك


(١) رواه النسائي (٤٢٠٩) وأحمد ٤/ ٣١٥.
(٢) "سنن الترمذي" (٢١٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>