حديث أبي هريرة أيضًا من طريق عطاء بن يسار، عنه ومن طريق همام عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"رأى عيسى ابن مريم رجلاً يسرق، فقال له: سرقت، قال: كلا والذي لا إله إلا هو. فقال عيسى: آمنت بالله وكذبت عيني".
هذا الحديث أخرجه مسلم بلفظ:"وكذبت نفسي" قال أبو نعيم: والأول مرسل. وهذا من المبالغة في تصديق الحالف، وليس كذبت عينُه حقيقةً ولم يهم. وقيل: أراد أنه صدقه في الحكم؛ لأنه لم يحكم بعلمه وفاقًا لمالك، وخلافًا للشافعي وعبد الملك وسحنون.
فإن قلت: أعلى اليقين المشاهدة، فكيف يقدم عليها قول زاعم؟
قلتُ: الناظر إلى الشيء (قد)(١) لا يثبت نظره، ولا يحصل له اليقين، أو يكون من المعاريض، وتقديره: كذبت عيني في غير هذا، لكن ظاهر قوله:(سرقت) خبر عما فعل من السرقة وأنه حقق السرقة عليه؛ لأنه رآه أخذ مالاً لغيره من حرز في خفية، ويحتمل أن يكون مستفهمًا له عن تحقيق ذلك فحذف همزة الاستفهام.
وقول الرجل لعيسى: ("كلا") أي: لا، نفى ذلك، ثم أكده بيمين.
وقول عيسى: ("آمنت بالله"): أي صدقت من حلف بالله وكذبت ما ظهر من ظاهر السرقة، فإنه يحتمل أن يكون الرجل أخذ ما له فيه حق، أو يكون صاحبه أذن له فيه، أو يحتمل أن يكون أخذه ليقلبه وينظر إليه. ويستفاد من هذا درء الحدود بالشبهات.