للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحديث الخامس:

حديث أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ -بكر بن قيس، وقيل: ابن عمرو- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُل قَتَلَ تِسْعَةً وَتسْعِينَ رجلاً .. " الحديث وأخرجه مسلم في التوبة (١) وابن ماجه في الديات (٢) وفي آخره: "فَوُجِدَ إِلَى هذِه أَقْرَبُ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ" .. وقتله الراهب الأول كان لقلة علمه وتجرئه على الفتيا بقوله: "لا توبة لك"، وهذا جهل منه، وأعان على نفسه إذ أيأس القاتل من التوبة، فلما ساقه الله إلى هذا العالم دله على الخير، وعلى مفارقة الأرض التي أصاب فيها الذنوب، والإخوان المساعدين له على ذلك، ومقاطعتهم، وأن يستبدل بهم صحبة الأخيار، وبهذا يظهر فضل العالم على العابد الذي لا علم عنده؛ لأنه اغتر فأفتى بغير علم فهلك في نفسه، وكاد أن يهلك غيره.

ومذهب أهل السنة أن التوبة تكفر القتل كسائر الذنوب كما قاله القاضي، وما روي عن بعضهم من تشديد في الزجر وتورية في القول فإنما ذلك لئلا يجترئ الناس على الدماء (٣). وهذا الحديث ظاهر فيه، وهو أنه كان شرعًا لمن قبلنا، وفي الاحتجاج خلاف، فليس هذا موضع خلاف، وإنما موضعه إذا لم يرد شرعنا بموافقته، فإن ورد كان شرعًا لنا بلا شك، وهذا فقد ورد شرعنا به، وهو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلَّا بِالْحَقِّ} إلى قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ}. وقال تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا


(١) مسلم برقم (٢٧٦٦) باب: قبول توبة القاتل.
(٢) "سنن ابن ماجه" رقم (٢٦٢٢) باب: هل لقاتل مؤمن توبة.
(٣) قاله القاضي عياض في "إكمال المعلم" ٨/ ٢٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>