للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فكل ما دون الشرك يجوز أن يغفره الله. وفي حديث عبادة: "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئًا من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله، إن شاء عما عنه، وإن شاء عذبه" (١) فهذِه حجج صريحة تبين فساد مذهب المكفر بشيء من ذلك.

وأما قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} فالصواب في معناه: جزاؤه إن جازاه. وقد لا يجازي بل يعفو عنه، فإن استحل قتله بغير حق ولا تأويل فهو كافر مخلد في النار إجماعًا، وإن لم يستحل وأقدم على ذلك فهو فاسق عاص مرتكب كبيرة جزاؤها جهنم خالدًا فيها لكن تفضل الله فأخبر أنه لا يخلد من مات موحدًا فيها، فلا يخلد هذا، وقد يعفو عنه فلا يدخلها أصلاً، وقد لا يعفى عنه بل يعذب كسائر عصاة الموحدين ثم يخرج منها إلى الجنة. وقيل: الخلود طول المدة والإقامة لا التأبيد، وقيل: المراد بالآية رجل بعينه قتل رجلاً له عليه دم بعد أخذ الدية منه ثم ارتد (٢). ويحتمل أن قتله الراهب متأولًا إذ قال بغير علم.

وفيه: اختصام الملائكة واطلاع ملائكة الرحمة على ما في قلبه من صحة توبته، وأن ذلك خفي على ملائكة العذاب حتى قالت: "إنه لم يعمل خيرًا قط"، ولو اطلعت على ما في قلبه من توبته لما صح لها قول ذلك ولا تنازع ملائكة الرحمة، لكن شهادة ملائكة الرحمة على


(١) رواه البخاري (١٨) كتاب الإيمان، ومسلم (١٧٠٩) كتاب الحدود باب: الحدود كفارات لأهلها.
(٢) حكاها ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٣/ ١٠٣٧ - ١٠٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>