صبرًا ولم يقتل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسول غيره، فاشتد ذلك عليه وندب الناس فأسرعوا، وأمر عليهم زيد بن حارثة. وقال: ("إن أصيب زيد فجعفر، وإن أصيب فعبد الله بن رواحة") فتجهزوا ثُم تهيئوا وعسكروا بالجرف، وهم ثلاثة آلاف، وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا استعانوا عليهم بالله وقاتلوهم. وخرج مشيعًا لهم حتى بلغ ثنية الوادع، فقال المسلمون: دفع الله عنكم وردكم صالحين غانمين: فلما ودع عبد الله بن رواحة بكى، فقال: ما يبكيك؟ فقال: أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم، ولكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}[مريم: ٧١] فكيف بالصدر بعد الورود، ثم قال:
لكنني اسأل الرحمن مغفرة … وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة … بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقال إذا مروا على جَدَثي … أرشده الله من غاز وإن رشدا
ثم مضوا حتى نزلوا مُعان من أرض الشام بضم الميم. وقال الوقشي: الصواب فتحها فبلغ الناس أن هرقل نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وتغلب مائة ألف منهم، عليهم رجل من بلي يقال له: مالك بن زافلة، فلما بلغ ذلك المسلمين فأقاموا على مُعان ليلتين ينظرون في أمرهم، وقالوا: نكتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمر فنمضي له، فشجع الناس عبد الله بن رواحة، وقال: يا قوم، والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعددٍ ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم