وفي قول أبي بكر لعمر: كنت علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرها. فيه دلالة أنه جائز للرجل أن يذكر لأصحابه، ولمن يثق به أنه يخطب امرأة قبل أن يظهر خطبتها، وقول الصديق: لم أكن لأفشي سره، يدل أنه من ذكر امرأة قبل أن يُظهر خطبتها، فإن ذكره في معنى السر، وإن إفشاء السر وغيره في النكاح أو غيره من المباح لا يجوز، وكان إسراره - صلى الله عليه وسلم - تزويج حفصة للصديق عَلَى سبيل المشورة، أو لأنه - صلى الله عليه وسلم - علم قوة إيمان الصديق وأنه لا يتغير لذلك لكون ابنته عنده، وكتمان ذَلِكَ خشية أن يبدو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نكاحها أمر فيقع في قلب عمر ما وقع في قلبه لأبي بكر كما سلف.
وفيه: أن الصَّدِيقَ لا يخطب امرأة عَلمَ أن صديقه يذكرها لنفسه، وإن كان لم يركن إليه لما يخاف من القطيعة بينهما، ولم تخف القطيعة بين غير الإخوان؛ لأن الاتصال بينهما ضعيف غير اتصال الصداقة في الله.
وفي قول الصديق: الو تركها تزوجتها). دليل عَلَى أن الخطبة إنما تجوز بعد أن يتركها الخاطب.
وفيه: الرخصة في تزويج من عرض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها خطبة، أو أراد أن يتزوجها. ألا ترى قول الصديق: لو تركها تزوجتها.
وقد جاء في خبر آخر الرخصة في نكاح من عقد النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها النكاح ولم يدخل بها، وأن الصديق كرهه ورخص فيه عمر.
وروى داود بن أبي هند عن عكرمة قَالَ: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من كندة يقال لها قُتيلة، فمات ولم يدخل بها ولا حجبها، فتزوجها عكرمة بن أبي جهل، فغضب أبو بكر وقال: تزوجت امرأة من نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال عمر: ما هي من نسائه، ما دخل بها، ولا حجبها،