للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: ٨] وهو عطف على الضمير العائد على الأنعام في في {خَلَقَهَا} أي: خلقها للركوب {وَزِينَةً} قالوا: والتمسك من هذِه الآية من وجوه:

أحدها: أن اللام للتعليل، فدل على أنها ما خلقت إلا لذلك إذ العلة المنصوص عليها تفيد الحصر.

ثانيها: أن فيها عطف البغال والحمير على الخيل، فلا تفرد عن المعطوفين في الحكم إلا بدليل وكذا ذكره ابن عباس فقال: هذِه الآية للركوب والزينة والتي قبلها للأكل (١).

ثالثها: أن الله تعالى قد منَّ على عباده بما جعل لهم من منفعة الركوب والزينة في الخيل، فلو كانت الخيل مأكولة اللحم لكان الأولى الامتنان عليهم بمنفعة الأكل؛ لأنه أعظم وجوه المنفعة وفيه بقاء النفوس وللحاجة تتجدد إليه بكرة وأصيلًا والحكم لا يترك أعظم وجوه المنفعة عند إظهار المنة، ويذكر ما دونه.

ألا ترى كيف ذكر المنة بالأكل في الأنعام التي هي الإبل قبلها مع سائر منافعها، فقال: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: ٥] ولو كان أكلها مباحًا لنبه عليه {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] فإن قلت كما لم يذكر فيها الانتفاع بها بالأكل لم يذكر الانتفاع بها في حمل الأثقال عليها، أجاب الحنفي بأن حمل الأثقال على الخيل لا يعرف عندهم، ولم يكن لهم به عادة ولا في ذلك حاجة؛ لكثرة الإبل المغنية عن ذلك؛ ولقلة الخيل؛ ولأنها معدة لإرهاب العدو، فلا يتطرق إلى ذبحها


(١) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ٥٦٢ - ٥٦٣ (٢١٤٨١: ٢١٤٨٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>