وأما الكافر الأصلي فاتفق أصحابنا في كتب الفروع على أنه لا يجب عليه الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها من فروع الإسلام. فأما في كتب الأصول فقال جمهورهم: هو مخاطب بالفروع كما هو مخاطب بأصل الإيمان، وقيل: لا يخاطب بالفروع. وقيل: يخاطب بالمنهي عنه كتحريم الزنا والسرقة والخمر والربا وأشباهها دون المأمور به كالصلاة. والصحيح الأول، وليس هو مخالفا لقولهم في الفروع؛ لأن المراد هنا غير المراد هناك، فمرادهم في كتب الفروع أنهم لا يطالبون بها في الدنيا مع كفرهم، وإذا أسلم أحدهم لم يلزمه قضاء الماضي، ولم يتعرضوا لعقوبة الآخرة، ومرادهم في كتب الأصول أنهم يعذبون عليها في الآخرة زيادة على عذاب الكفر، فيعذبون عليها وعلى الكفر جميعا لا على الكفر وحده، ولم يتعرضوا للمطالبة في الدنيا فذكروا في الأصول حكم أحد الطرفين وفي الفروع حكم الطرف الآخر، والله أعلم. وهو ما ذهب إليه جمهور المالكية من أنهم مخاطبون بفروع الشريعة، ومعاقبون على المخالفات في أحكام الشرائع، وهو قول الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه، وذهب إليه العراقيون من أصحاب أبي حنيفة. وإليه ذهب أكثر المعتزلة واحتجوا في ذلك بعموم من القرآن، كقوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣)} [المدثر: ٤٢، ٤٣]. وأيضًا قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: ٦، ٧] وقال أبو حنيفة وجماهير أصحابه، وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد: إنهم غير مخاطبين، واحتجوا في ذلك بأن قالوا: لو وجبت الصلاة على الكافر مثلًا، لوجبت إما في حال كفره، أو بعده، والأول: باطل؛ لامتناع الصلاة من الكافر حال كفره، والثاني: أيضًا باطل؛ لاتفاقنا على أن الكافر إذا أسلم لا يؤمر بقضاء =