وهنا أمكن كما سلف على أن جماعة من العلماء أثبتوا النسخ، وليس أحد القولين أولى من الآخر، وقد أسلفنا قول الأثرم وغيره، وقال ابن شاهين: هذا حديث مشكل نسخه؛ لأنه قد صحَّ عن الشارع النهي عنه وصحَّ عنه فعله، وأن أصحابه كانوا يفعلون ذلك لإباحة ذلك قائمًا أقرب إلى أن يكون نسخه النهي؛ لأنه لو كان النهي ثابتًا -وهو آخر في الأمرين- لما كان الصحابة يفعلون ذلك، ولو كان شربه قائمًا دون غيره لما جاز لأصحابه أن يشربوا قيامًا؛ لأنهم كانوا يفعلون هذا على عهده - عليه السلام -، فهذا أشبه أن يكون ناسخًا للنهي.
وفي قول ابن حزم: الشرب قائمًا مكروه لا يحل.
عجبتُ!! يرده فعله - عليه السلام - وبعده الصحابة والتابعون -ولا تاريخ صحيح- وكذا الأربعة من المذاهب ومن تبعهم؛ ولم يبلغنا عن أحد منهم فيما نعلم كراهته إلاَّ ما حكي عن أبي هريرة وأنس وقد أسلفنا عنهما خلاف ذلك.
وعن الحسن في "مصنف ابن أبي شيبة" وجد كراهته، ولعله إنما كرهه من جهة الطب مخافة ضرر وهو أليق بعلمه ذلك (١).
وقد سلف عن إبراهيم النخعي ذلك، وهذا يوضح لك كراهة الحسن على أنا قدمنا عن إبراهيم عدمها، وهذا من شذوذ ابن حزم من بين الأئمة ولا نعتد به، وقد أفردت المسألة بالتأليف، وأنشدنا بعض شيوخنا:
اشرب قيامًا تابعًا سنن الهدى … ودع ابن حزم والذي يتقوله
فالجزم في هذا المقام خلافه … وهو الصواب أتى به منقوله