الذي لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلته (١).
فإن قلت: فإنك تجيز للرجل أن يأخذ من أطراف لحيته وعوارضه إذا كثرت، ومن الشارب وإطاره إذا أوفى، فالمرأة أحق أن يجوز لها إماطة ذلك من الرجل؛ إذ الأغلب من النساء أن ذلك فيهن قليل، وإنما ذلك من خلق الرجال فجعلت أخذ ذلك من النساء تغييرًا لخلق الله وجعلته من الرجال غير تغيير.
قلت: إنا لم نحظر على المرأة إذا كانت ذات شارب فوفى شاربها أن تأخذ من إطاره وأطرافه أو كانت ذا لحية طويلة أن تأخذ منها، وإنما نهيناها عن نمص ذلك وحلقه للعنة الشارع النامصة والمتنمصة، ولا شك أن نمصها لحية أو شاربًا إن كان لها نظير نمصها شعرًا بوجهها أو جبينها، وفي فرق الله على لسان رسوله - عليه السلام - بين حكمها في مالها من أخذ شعر رأسها، وما ليس لها منه، وبين حكم الرجل في ذلك أبين الدليل على افتراق حكمهما في ذلك، وذلك أنه - عليه السلام - أذن للرجال في قص شعر رءوسهم كلما شاءوا، وندبهم إلى حلقه إذا حلوا من إحرامهم، وحظر ذلك على المرأة في الحالين، إلا أن تأخذ من أطرافه، فكذا افتراقهما في الإحفاء وقص النواصي وحلقها.
وإنما أبحنا لها أن تأخذ من أطراف لحيتها وإطار شاربها كما أبحنا لها أن تأخذ من أطراف شعر رأسها إذا طال؛ لما روى شعبة عن أبي بكر بن حفص، عن أبي سلمة قال: كان أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذن
(١) قال النووي في "شرح مسلم" ١٤/ ١٠٦: وهذا الفعل حرام إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شارب فلا يحرم إزالتها بل يستحب عندنا، وقال الحافظ في "الفتح" ١٠/ ٣٧٨ معقبًا على كلام النووي: وإطلاقه مقيد بإذن الزوج. اهـ.