للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعقوبة الآخرة، التي هي أشد من الدنيا؛ لقوله تعالى: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: ٢٧] فيشكر ربه ويذَّكر، وهذا الحديث كقوله: "إن رحمتي سبقت غضبي" (١)؛ لأن تأخير غضبه عنه عند مجاهرته ربه (بالمعصية) (٢)، وهو يعلم أنه لا تخفى عليه خافية، مما يعلم بصحيح النظر أنه لم يؤخر عقوبته عنه لعجز عن إنفاذها عليه، إلا لرحمته التي حكم لها بالسبق لغضبه، إذ ليس من صفة رحمته التي وسعت كل شيء أن تسبق في الدنيا بالستر من الفضيحة، ويسبقها الغضب من ذَلِكَ الذنب في الآخرة، فإذا لم يكن بد من تغليب الرحمة على الغضب، (فليسر) (٣) المذنبون المستترون بسعة رحمته، وليحذر المجاهرون بالمعاصي وعيد الله النافذ على من شاء من عباده.

وفي قوله: "سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم" نص منه على صحة قول أهل السنة في ترك إنفاذ الوعيد على العصاة من المؤمنين. والحجة فيه من طريق النظر أنه ليس مذمومًا من وجب له حق على غيره فوهبه له، والمرء قد يقول لعبده: إن صنعت كذا عاقبتك بكذا، على معنى: إنك إن أتيت هذا الفعل كنت مستحقًّا عليه هذِه المعاقبة، فإذا جناها فالسيد غير بين الإمضاء والترك، وإذا قال: إن فعلت كذا وكذا فلك عليَّ كذا وكذا. ففعل ما كلفه، لم يجز أن يخلفه بما وعده؛ لأن في تمام الوعد حقًّا للعبد، وليس لأحد أن يدع حق غيره، كما له أن يدع حق نفسه، والعرب تفتخر بخلف الوعيد، ولو كان مذمومًا لما جاز أن يفتخر بخلفه ويمتدح به.


(١) سيأتي برقم (٧٤٢٢) كتاب: التوحيد، باب: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}.
(٢) من (ص ٢).
(٣) في الأصل: فليستر. ولعل الصواب ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>