ولا شك أن الغضب والشدة في أمر الله واجبان، وذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقام الإجماع على أن ذَلِكَ فرض على الأئمة والأمراء أن يقوموا به، ويأخذوا على أيدي الظالمين، وينصفوا المظلومين، ويحفظوا أمور الشريعة، حتَّى لا تغير ولا تبدل، ألا ترى أنه - عليه السلام - غضب وتلون وجهه لما رأى التصاوير في القرام، وهتكه بيده، ونهى عنها، وتوعد عليها بقوله:"إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور". وكذلك غضب من أصل تطويل القراءة، ونهى عنها، وتغيظ حين رأى النخامة في القبلة، فحكها بيده، ونهى عنها، وكذلك غضب حتَّى احمر وجهه حين سئل عن ضالة الإبل فقال:"مالك ولها! " وغضب على الذين صلوا في مسجده بصلاته بغير إذنه ولم يخرج إليهم.
ففيه: جواز الغضب للإمام والعالم في التعليم والموعظة إذا رأى منكرًا يجب تغييره. قال مالك: الأمر بالمعروف واجب على جماعة المؤمنين من الأئمة والسلاطين، وعامة المؤمنين لا يسعهم التخلف عنه، غير أن بعض الناس يحمله عن بعض بمنزلة الجهاد. واحتج في ذَلِكَ بعض العلماء فقال: كل شيء يجب على الإنسان فعله من الفرائض والسنن اللازمة، وكل شيء يجب عليه تركه من المحارم التي نهى الله عنها ورسوله، فإنه واجب عليه في القياس أن يأمر بذلك من صنع شيئًا منه، وينهى كل من أتى شيئًا من المحرمات التي وجب عليه تركها.
وقال بعض العلماء: الأمر بالمعروف منه فرض ومنه نافلة، فكل شيء وجب عليك العمل به وجب عليك الأمر به، كالمحافظة على الوضوء، وتمام الركوع والسجود، وإخراج الزكاة، وما أشبه ذَلِكَ،