للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قومًا أرادوا أن يختصوا، وحرموا الطيبات واللحم على أنفسهم، فقام خطيبًا وأوعد في ذَلِكَ أشد الوعيد. وقال: "لم أبعث بالرهبانية، وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة، وإن أهل الكتاب هلكوا بالتشديد، شددوا فشدد الله عليهم" (١).

وفي هذا من الفقه: أن أمر الدنيا نظير ذَلِكَ في أن الغلو وتجاوز القصد فيها مذموم. وبذلك نزل القرآن قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا} [الفرقان: ٦٧] الآية، فحمد الله تعالى في نفقاتهم ترك الإسراج والإقتار، وقال: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الإسراء: ٢٦] فأمر بترك التبذير فيما يعطى في سبيله التي يرجى بها الزلفة لديه.

فالواجب واجب على كل ذي لب أن تكون أموره كلها قصدًا في (عبادته) (٢) كان، أو في أمر دنياه، وفي عداوة كان أو محبة، في أكل أو شرب، أو لباس أو عري، وكل هذا ورد الخبر عن السلف أنهم كانوا يفعلونه.

وأما اجتهاده - عليه السلام - في عبادة ربه، فإن الله كان خصه من القوة ما لم يخص به غيره، (فكان) (٣) ما فعل من ذَلِكَ سهلًا عليه؛ على أنه - عليه السلام - لم يكن يحيي ليله كله قيامًا، ولا شهرًا كله صيامًا غير رمضان. وقد قيل: إنه كان يصوم شعبان كله فيصله برمضان.


(١) رواه الطبراني ٨/ ١٧٠ (٧٧١٥) من حديث أبي أمامة مطولاً، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٤/ ٣٠٢: فيه عفير بن معدان، وهو ضعيف. اهـ. رواه ابن سعد في "الطبقات" ٣/ ٣٩٥ عن أبي قلابة مرسلًا مختصرًا.
(٢) في (ص ٢): عبادة ربه.
(٣) في الأصل: فكل، والمثبت من (ص ٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>