للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذليلاً، بالإيمان ولزوم طاعة الله التي تؤدي إلى النعيم المقيم، فينبغي للمؤمن أن يكثر التعوذ من ذلك.

"والهرم": هو أرذل العمر الذي ينتهي بصاحبه إلى الخرف وذهاب العقل، فيعود العالم جاهلًا، ويصير إلى حال من لا ميز له، ولا يقدر على أداء ما يلزمه من حقوق الله وحاجة نفسه، ومثل هذا خشي- عمر - رضي الله عنه - حين قال لما كبر ما سلف، وكان سنه حنيئذٍ -كما قال مالك- ستين سنة، وقيل: خمسة وخمسين. فخشي زيادة الضعف فيضيع مما قلده الله شيئًا، ومن متعه الله بصحته لم يزده طول العمر إلا خيرًا يستكثر من الحسنات ويستغيث من السيئات.

وكذلك الهم والحزن لا ينبغي للمؤمن أن يكون مهمومًا بشيء من أمور الدنيا، فإن الله قد قدر الأمور وأحكمها، وقدر الأرزاق، فلا يجلب الهم للعبد في الدنيا خيرًا، ولا يأتيه بما لم يقدر له، وفي طول الهم قلة الرضا بقدر الله، وسخطه على ربه، وقد كان عمر بن عبد العزيز يقول: اللهم رضني بالقضاء، وحبب إلى القدر، حتى لا أحب تقديم ما أخرت، ولا تأخير ما قدمت.

ومن آمن بالقدر فلا ينبغي له أن يهتم على شيء فاته من الدنيا ولا يتهم ربه، فيما قضى له الخيرة، وإنما ينبغي للعبد الاهتمام بأمر الآخرة، ويفكر في معاده وعرضه على ربه، وكيف ينجو من سؤاله عن الفتيل والنقير والقطمير؛ ولذلك قال - عليه السلام -: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" (١) فههنا يحسن الهم والبكاء، وغلبة الرجال أشد


(١) سلف برقم (٤٦٢١) كتاب: التفسير، باب: قوله {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: ١٠١].

<<  <  ج: ص:  >  >>