للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"ولكن الغنى غنى النفس" (١).

واحتج أيضًا بحديث مرسل لا تثبت به حجة، أنَّ الحسن قال: أنه - عليه السلام - قال: "كاد الفقر أن يكون كفرًا". وهو غير صحيح، ولو صح لكان تأويله سترًا من النار: لأن معنى كفرت الشيء: سترته، ولو قلنا بتأويله للزم منه الفقر في الدنيا، ودخول النار في الآخرة لكفره. ويدل على أن الفقر أفضل قول عمر في غزوة نهاوند إذ جيء بمالها فصب في المسجد: ما فتح الله هذا على قوم إلا سفكوا عليه دماءهم، وقطعوا أرحامهم. فهل سَفَك الناس دماءهم، وقطعوا أرحامهم على الفقر؟! فكيف يكون المال أفضل على هذا من الفقر، وهو ذريعة إلى قطع الأرحام؟ فإن احتج متوهم بعيد الفهم بقول الله تعالى: {تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: ١٨٠] يعني: مالا؛ قلنا: قد قال أيضًا: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨)} [العاديات: ٨] يعني: المال، فقد عاب محبته مع تسميته خيرًا، وعابه أيضًا في آية أخرى، فقال: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ} الآية [الفجر: ١٥].

واحتج أيضًا بقول الشاعر:

ليس من مات فاستراح بميت … إنما الميتُ ميت الأحياء

ويرده أنه تعالى قال: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: ١٢٢] قيل: كان كافرًا فأحييناه بالإسلام، أو ضالًا فهديناه كما قال مجاهد. ولم يقل أحد أن ذلك في الفقر من المال.

قال ابن قتيبة: قبض الله نبينا موسرًا إنما قال عليه، فتأول بذلك أنه لم يكن دعاؤه إذ استعاذ (من الفقر) (٢) إلا فقر المال.


(١) سلف برقم (٦٤٤٦) كتاب: الرقاق، باب: الغنى غنى النفس.
(٢) من (ص ٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>