للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

{ثُمَّ} مهو في هذِه الآيات لا توجب تعقيبًا، بل هي واقعة على ما كان قبلها عطف اللفظ عليه، وليس كما ظنوا.

أما الآية الأولى: فإن نصها {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢)} [البلد: ١٢]، إلى أن قال: {ثُمَّ}. وقد ذكرنا قوله لحكيم بن حزام: "أسلمت على ما أسلفت من خير" (١).

فصح بهذِه الآية عظم نعمة الله على عباده في قبول كل عمل بر عملوه في كفرهم، ثم أسلموا، فالآية على ظاهرها، وهي زائدة على ما في القرآن من قبوله أعمال من آمن ثم عمل الخير.

وأما الآية الثانية فإن أولها: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} [الأنعام: ١٥٣]: إلى أن قال: {ثُمَّ آتَيْنَا}. وقال: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا} [آل عمران: ٦٧]، وقال: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: ٧٨] فصح أن الصراط الذي أمرنا الله باتباعه، وأتانا به نبينا هو صراط إبراهيم، وقد كان قبل موسى بلا شك، ثم آتى الله نبيه موسى الكتاب، فهذا تعقيب بمهلة لا شك فيه.

وأما الثالثة (فعلى ظاهره) (٢)؛ لأن الله خلق أنفسنا وصورها، وهي التي أخذ الله عليها العهد بقوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٧٢]، ثم بعد ذلك أسجد الملائكة لآدم، فبطل تعلقهم بهذِه الآيات. سلمنا أن {ثُمَّ} فيها لغير التعقيب، فلا يجب ذلك لها حيثما وجدت؛ لأن ما خرج بدليل لا يعمم.


(١) سلف برقم (١٤٣٦) ورواه مسلم (١٢٣/ ١٩٤) كتاب: الإيمان، باب: بيان حكم عمل الكافر. واللفظ له.
(٢) في الأصل: فعل ظاهر. والمثبت من (ص ٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>