ويشبه معنى هذا الباب إذا حلف أن لا يكلم رجلاً فكتب إليه أو أرسل إليه رسولاً، فقال مالك: يحنث فيهما جميعًا إلا أن يكون نبه على المشافهة، ثم ذكر أنه رجع بعد ذلك فقال: لا ينوي في الكتابة. أو أنه حلف ألا يرتجع الكتاب قبل وصوله فلا يحنث.
وحكى ابن أبي أويس أنه قال: الرسول أهون من الكتاب؟ لأن الكتاب لا يعلمه إلا هو وصاحبه، وإذا أرسل إليه رسولاً علم ذلك الرسول.
وقال الكوفيون والليث والشافعي: لا يحنث فهو قول ابن أبي ليلى.
وقال أبو ثور: لا يحنث في الكتاب. واختلفوا إذا أشار إليه بالسلام، فقال مالك: يحنث، واحتج ابن حبيب في أن الإشارة بالسلام كلام بقوله تعالى لزكريا {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا}[آل عمران: ٤١].
وقال عيسى، عن ابن القاسم: ما أرى الإشارة بالسلام كلامًا. وقال محمد بن عبد الحكم: لا يحنث في الإشارة بالسلام ولا في الرسول ولا في الكتاب؛ لأنه لم يكلمه في ذلك كله. واحتج أبو عبيد فقال: الكلام غير الخط والإشارة، وأصل هذا أن الله تعالى قال لزكريا:{آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا}[آل عمران: ٤١] وقال في موضع آخر: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}[مريم: ١١] والرمز: الإشارة بالعين والحاجب. والوحي: الخط والإشارة، ويقال: كتب إليهم وأشار إليهم. وفي قصة مريم {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا}[مريم: ٢٦]. ثم قال:{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} فصار الإيماء والخط خارجين من معنى المنطق.