للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الطلاق والعتق لا تحله الكفارة التي هي العتق والإطعام والكسوة، وهي أقوى فعلاً وأغلظ على النفوس من الاستثناء الذي هو القول، لم يحله القول؛ فإن ما لا يحله الأوكد لم يحله الأضعف، ولا تعلق لهم بحديث سليمان؛ لأن ظاهر قوله: "لأطوفن" لم يكن معه يمين، وإنما كان قولاً جعل فيه المشيئة لنفسه حين لم يقل: إن شاء الله بالحرمان، كما قال تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} الآية [الكهف: ٢٣].

وأدَّب عباده بذلك ليتبرءوا إليه تعالى من الحول والقوة، ولم يكن قول سليمان يمينًا بالله يوجب عليه الكفارة فتسقط عنه بالاستثناء، فإن قلت: قوله ("لو قال: إن شاء الله لم يحنث") يدل أنه كان يمينًا، قيل: معنى قوله: "لم يحنث" لم يأثم على تركه استثناء المشيئة، فلما أعطى لنفسه الحول عاقبه الله بحرمانه وحنثه، فكأنه يحنث بقوله.

والحنث في لسان العرب: الإثم، ومن لم يرد المشيئة إلى الله في جميع أموره فقد أثم وحرج، والحنث أيضًا: أن لا يبر ولا يصدق (١).

وعبارة أبي عمر بن عبد البر في "استذكاره": أجمعوا أن الاستثناء جائز في اليمين بالله تعالى، واختلفوا في غيرها كما أجمعوا على أن اللغو في اليمين بالله.

وقال الشافعي: له الاستثناء إذا كان موصولاً بكلامه، والوصل أن يكون كلامه نسقًا، وإن كان بينهما سكتة كسكوت الرجل للتذكر أو التنفس أو القيء، أو انقطاع الصوت فهو استثناء، والقطع أن يأخذ في كلام ليس من اليمين، أو سكت السكوت الذي يبين منه أنه قطع كلامه.


(١) انظر: "شرح ابن بطال" ٦/ ١٨٠ - ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>