واختلفوا فيما إذا سرق ثالثة بعد أن قطع في الأولى يده اليمنى، وفي الثانية الرجل اليسرى، فقال أبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين: لا يقطع أكثر من يد ورجل، ولكن يحبس ويغرم السرقة. والرواية الأخرى عن أحمد: يقطع في الثالثة والرابعة. وهو مذهب مالك والشافعي في الثالثة يسرى يديه، وفي الرابعة يمنى رجليه، فيصير مقطوع الأربعة، روي هذا عن الصديق وعمر وعثمان، ومن التابعين عروة والقاسم وسعيد بن المسيب وربيعة، والقول قول الثوري أيضًا والأوزاعي، وروي عن علي، وهو قول النخعي والشعبي والزهري.
وقال عطاء وبعض أهل الظاهر: لا يجب أن يقطع شيء من الأطراف إلا الأيدي دون الرجل، واحتج عطاء بقوله تعالى:{فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة: ٣٨] ولو شاء أمر بالرجل {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}[مريم: ٦٤].
وحجة الكوفيين ما رواه إسماعيل بن جعفر، عن أبيه أن عليًّا كان لا يريد أن يقطع للسارق يداه ورجلاه، وإذا أتي به بعد ذلك قال: إني لأستحيي أن لا يتطهر للصلاة، ولكن أمسكوا كلبه عن المسلمين بالسجن وأنفقوا عليه من بيت المال.
والحجة لمالك والشافعي أن أهل العراق والحجاز يقولون بجواز قطع الرجل بعد اليد وهم يقرءون:{فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة: ٣٨] وهذِه المسألة تشبه المسح على الخفين وهم يقرون غسل الرجلين أو مسحهما، ويشبه الجزاء في قتل الصيد الخطأ، وهم يقرءون:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا}[المائدة: ٩٥] ولا يجوز على الجمهور تحريف