للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ألا ترى أن الله جعل قصر الصلاة في السفر بشرط الخوف، ثم ثبت القصر للمسافرين وإن لم يكن خوف؛ لما يجمعهما في المعنى وظاهر القرآن، وما مضى عليه عمل المسلمين يدل على أن هذِه الحدود نزلت في المسلمين، كما قاله القاضي إسماعيل؛ لأن الله تعالى قال: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: ٤] وقال: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] فلم يذكر فيهم إلا القتل والقتال؛ لأنهم إنما يقاتلون على الديانة، لا على الأعمال التي يعملونها من سرقة أو قطع طريق أو غيره.

وإذا ذكرت الحدود التي تجب على الناس من الحرابة والفساد في الأرض أو السرقة وغيرها لم تسقط عن المسلمين؛ لأنها إنما وجبت من طريق أفعال الأبدان لا من طريق اعتقاد الديانات، ولو كان حد المحارب في الكافر خاصة لكانت الحرابة قد نفعته في أمور دنياه؛ لأنا نقتله بالكفر، فإن كان إذا أحدث الحرابة مع الكفر جاز لنا أن نقطع يده ورجله من خلاف، أو ننفيه من الأرض أو نقتله، فقد خفف عنه العقوبة.

واحتج أبو ثور على أن من زعم أنها نزلت في أهل الشرك بقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [البقرة: ١٦٠] الآية، قال: ولا أعلم خلافًا بين العلماء في المشركين لو ظهر عليهم، وقد قتلوا وأخذوا الأموال، فلما صاروا في أيدي المسلمين وهم على حالهم تلك أسلموا قبل أن يحكم عليهم بشيء، أنهم لا يحل قتلهم، فلو كان الأمر على ما قال من خالف قولنا كان قتلهم والحكم عليهم من الآية (لازمًا) (١) وإن أسلموا، فلما نفى أهل العلم ذلك دل على أن الحكم ليس فيهم.


(١) في الأصل: لازم؛ والجادة ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>