قال إسماعيل: وإنما يسقط عنهم القتل، وكل ما فعلوه بقوله تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: ٣٨] والذي عليه قول شيوخ أهل العلم أن المعنيَّ بهذا المسلمون، وإنهم إذا حاربوا فتابوا من قبل أن يقدر عليهم فإن الحدود تسقط عنهم؛ لأنها لله، وأما حقوق العباد فإنها لا تسقط عنهم (ويقتص منهم من النفس والجراح)(١) وأخذ ما كان معهم من المال أو قيمة ما استهلكوا، فهذا قول مالك والكوفيين والشافعي وأبي ثور فيما حكاه ابن المنذر.
وأما ترتيب أقوال العلماء الذين جعلوا الآية نزلت في المسلمين في حد المحارب المسلم، فقال مالك: إذا أشهر السلاح وأخاف السبيل ولم يقتل، ولا أخذ مالاً كان الإمام مخيرًا فيه، فإن رأى أن يقتله أو يصلبه أو يقطع يده ورجله من خلاف أو ينفيه من الأرض فعل ذلك.
وقال الكوفيون والشافعي: إذا لم يقتل ولا أخذ مالاً لم يكن عليه إلا التعزير، وإنما يقتله الإمام إن قتل، ويقطعه إن سرق، ويصلبه إذا قتل وأخذ المال، وينفيه إذا لم يفعل شيئًا من ذلك، ولا يكون الإمام مخيرًا فيه.
قال إسماعيل: فأجروا حكم المحارب كحكم القاتل غير المحارب، ولم توجب المحاربة عندهم شيئًا، وقد ركب ما ركب من الفساد في الأرض، وقد قال تعالى:{مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة: ٣٢] فجعل الفساد بمنزلة القتل، والمعنى -والله أعلم- من قتل نفسًا بغير نفس، أو بغير فساد في الأرض، فلم يحتج إلى أن تعاد (غير) وعطف الكلام على