للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الطريق وأخذ الأموال والفساد في الأرض، فكان الأمر فيه إلى السلطان لا إلى ولي المقتول، فكما خرج قتلى صفين والجمل من معنى هذا الحديث، كذلك خرج المحاربة من معناه، ويشهد لما قلنا ما رواه الأعمش، عن عبد الله بن مرة قال: قال مسروق: قال عبد الله: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا يحل دم رجل مسلم إلا بإحدى ثلاث: قتل النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه المفارق للجماعة" (١).

فمفارقة الجماعة دالة على الفساد في الأرض نحو الخوارج والمحاربين، فإذا كان الخوارج يحل قتلهم وليسوا بمرتدين لفسادهم في الأرض، كذلك يحل قتل المحاربين وإن لم يكونوا قتلوا، ولا ارتدوا؛ لفسادهم في الأرض.

واختلف في صفة نفي المحارب، فعند مالك: أنه ينفيه إلى غير بلده، وعنه: يحبسه فيه حتى تظهر توبته، وقال أبو حنيفة: يحبسهم في بلدهم، وقال الشافعي: ينفيهم، إذا هربوا بعث الإمام خلفهم، وطلبهم ليأخذهم ويقيم عليهم الحد.

وقال أبو ثور: قال بعضهم: ينفى من البلد التي هو فيها إلى بلدة غيرها، كما يفعل بالزاني، وهو مروي عن ابن عباس، وقال الشعبي: ينفى من عمله، حكاه ابن المنذر.

وقال أبو الزناد: كانوا ينفون إلى دهلك وتلك الناحية.

وقال الحسن: ينفى حتى لا يقدر عليه، قال ابن القصار والنفي بعينه أشبه بظاهر القرآن؛ ولقوله تعالى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: ٣٣] وهذا يقتضي أن ينفيهم الإمام، كما يقتلهم أو يصلبهم، وما قاله أبو حنيفة من الحبس في بلدهم، فالنفي ضد الحبس، وليس


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>