من يرويه عن سفيان والحكم، عن مجاهد، قوله، وهو صحيح عن مجاهد وعكرمة، وبه قال الزهري وعمر بن عبد العزيز والسُّدي، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، وهو أحد قولي الشافعي إلا أن أبا حنيفة قال: جاءت المرأة والزوج فعليه أن يحكم بينهما بالعدل، وإن جاءت المرأة وحدها ولم يرض الزوج لم يحكم، وقال صاحباه: يحكم، وكذا اختلف أصحاب مالك، وقال الشافعي: ليس الحاكم بالخيار في أحد من المعاهدين الذين يجري عليهم أحكام الإسلام إذا جاءوه في حد لله، فعليه أن يقيمه؛ لقوله تعالى:{وَهُمْ صَاغِرُونَ}[النمل: ٣٧] واختاره المزني وقال في كتاب الحدود: لا يحدون إذا جاءوا إلينا في حد لله، ويردهم الحاكم إلى أهل دينهم.
قال الشافعي: وما كانوا يدينون به فلا يحكم عليهم بإبطاله إذا لم يرتفعوا إلينا، لكن ليكشفوا عما استحلوا ما لم يكن ضررًا على مسلم أو مستأمن أو معاهد.
قال: وإن جاءته امرأة تستعديه بأن زوجها طلقها وشبه ذلك، حكمنا عليه حكم المسلمين.
قال ابن عبد البر: والنظر صحيح عندي، ألا يحكم بنسخ شيء من القرآن إلا ما قام عليه الدليل الذي لا دفع له، ولا يحتمل التأويل، وليس في قوله:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ}[المائدة: ٤٩] دليل على أنها ناسخة لقوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}[المائدة: ٤٢] لأنه يحتمل أن يكون معناها: وأن احكم بينهم بما أنزل الله إن حكمت ولا تتبع أهواءهم، فتكون الآيتان محكمتين مستعملتين غير متدافعتين. نقف على هذا الأصل في نسخ القرآن بعضه ببعض أنه لا يصح