(والحدود)(١) في الأحرار من الرجال والنساء واحدة، وحرمتهم واحدة، ويبين ذلك قوله تعالي في نسق هذِه الآيات:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ}[المائدة:٤٥] فعلمنا أن العبد والكافر خارجان من ذلك؛ لأن الكافر لا يسمى مصدقًا ولا مكفرًا عنه، وكذا العبد لا يجوز أن يصَّدق بدمه ولا بجرحه؛ لأن ذلك إلى سيده، قال تعالى:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} الآية [البقرة: ١٧٨].
وقال أبو ثور: لما اتفق جميعهم أنه لا قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النفس، كانت النفس أحرى بذلك، ومن فرق منهم بين ذلك فقد ناقض، وناقض أيضًا أبو حنيفة: إذا قتل عبده فلا يقتل به عنده، وقال ابن القصار، عن النخعي: يقتل الحر بعبده وعبد غيره. قال: وحكي عنه أن بينهما القصاص في الأطراف، وأظنه صحيحًا، فمذهب النخعي هذا مستمر لم يتناقض في شيء؛ لأنه يقيد النفس بالنفس في كل نفس، والأطراف أيضًا.
فصل:
وقوله تعالى:{ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}[البقرة: ١٧٨] قيل: أخذ الدية، وذلك أنهم كانوا في بني إسرائيل يقتصون ولم يكن بينهم دية، فخفف الله عن هذِه الأمة بالدية، كما سلف في التفسير عن ابن شهاب، فذلك تخفيف بما كتب على أهل الكتابين، والمكتوب على اليهود أن لا يعفى عن قاتل عمد وأن يقتل قاتل الخطأ إلا أن يعفو الولي، وعلى أهل الإنجيل ترك القصاص وأخذ الدية في العمد والخطأ، وقيل: هذا في الرجل يقتل عمدًا أو له أولياء فيعفو بعضهم فللآخرين أن يطلبوا من الدية بقدر حصصهم.
(١) في الأصل: (وإبلاغ)، والمثبت من "شرح ابن بطال" ٨/ ٤٩٩.