هذا كفر، ولقائل أن يقول: قوله تعالى: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[الأنفال: ٧٣] نحن نعلم ولاية بعضهم لبعض، وليس فيها إقرارهم ولا حكم قتلهم ولا ما يفعل بهم أصلاً، وكذلك قوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١)} [الكافرون: ١] ليس فيها إلا أنا مباينون لجميع الكفار بالعبادة، والدين، وليس فيها شيء من أحكامهم، وقال تعالى مخاطبًا لناٍ {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: ٥١] فمن تولاهم منا فهو منهم كقوله {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[الأنفال: ٧٣] فهلا تركوا المرتد إليهم منا علي ردته، وإخبار الله أنه منهم، فإن لم تكن هذِه الآية حجة في إقرار المرتد منا إليهم على ذلك قالوا: ليسا بحجة، وأما آية الإكراه فلا حجة لهم فيها؛ لأنه لم يختلف أحد من الأمة كلها في أن هذِه الآية الكريمة ليست على ظاهرها؛ لأن الأمة مجمعة على إكراه المرتد عن دينه، فمن قائل: يكره ولا يقتل، ومن قائل:(يكره)(١) ويقتل.
فإن قالوا: خرج المرتد منا بدليل آخر عن حكم هذِه الآية، وإلا فهو كما قلتم، وإن المحتجين بقوله تعالى:{بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[الأنفال: ٧٣] وبقوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)} [الكافرون: ٦] في أن الكفر كله شيء واحد.
وأما احتجاجهم بقوله تعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[البقرة: ٢٥٦] فغير جيد؛ لأنها منسوخة بقوله:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}[التوبة: ٥] فإن احتجوا بما روي عن علي - رضي الله عنه - أنه رفع إليه أن يهوديًّا أو نصرانيًا تزندق فقال: دعوه تحوَّل من دين إلى دين. قيل لهم: هذا لا يصح؛ لأن ابن جريج قال فيه: حُدثت عن علي - رضي الله عنه -، ولو لم يقله لعلمنا أن حديثه