للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يتصور على ما تصوره، ولا يجوز عليه دلالة للعلم أيضًا وسببًا إليه، لأنه قد تقرر في نفوس البشر أنه لا يجوز التجسيم على البارئ تعالى، فجاز أن يجعل لنا هذا الوهم (في النوم) (١) دليل على علم ما لا سبيل إلى معرفته إلا بطريق التمثيل في البارئ تعالى مرة، وفي سائر الأرباب والسلاطين مرة؛ وكذلك قال أبو بكر بن الطيب الباقلاني في "انتصاره": إن رؤية البارئ تعالى في النوم أوهام وخواطر في القلب في أمثال لا تليق به تعالى في الحقيقة، وتعالى سبحانه عنها؛ دلالة للرأي على أنه أمر كان أو يكون كسائر المرئيات (٢). وهذا كلام حسن؛ لأنه لما كان خرق العادة دليلاً على صحة العلم في اليقظة في الأنبياء بهديها (الحق) (٣)، جعل خروق العادة الجائزة على نبيه بتصور الشيطان على مثاله بالمنع من ذلك دليلاً على صحة العلم.

فإن قلت: كيف يجب أن تكون الرؤيا إذا رأى فيها البارئ تعالى صادقة أبدًا، كما كانت الرؤيا التي رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟

فالجواب: أنه لما كان تعالى قد يعبر به في النوم على سائر السلاطين؛ لأنه سلطانهم ويعبر به عن (الأولياء) (٤) والسادة والمالك، ووجدنا سائر السلاطين يجوز عليهم الصدق والكذب، فأبقيت رؤياهم على العادة فيهم، ووجدنا النبيين لا يجوز الكذب على أحد منهم، ولا على شيء من حالهم، فأبقيت (حال) (٥) النبوة في النوم على ما هي عليه في اليقظة من الصدق برؤية النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا قام الدليل


(١) من (ص ١).
(٢) انظر: "إكمال المعلم" ٧/ ٢٢٠.
(٣) في (ص ١): الخلق.
(٤) في (ص ١): الآباء.
(٥) من (ص ١).

<<  <  ج: ص:  >  >>