للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتأويل قول إبراهيم: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} أي: بيقين البصر. واليقين جنسان السمع والبصر وهو أعلاهما، ولذلك قال - عليه السلام -: "ليس الخبر كالمعاينة" (١). حين ذكر قوم موسى وعكوفهم على العجل، (فأعلمه) (٢) أن قومه عبدوا العجل فلم يلقِ الألواح، فلما عاينهم عاكفين عليه غضب وألقاها حتى تكسرت، وكذلك المؤمنون بالقيامة والبعث والجنة والنار متيقنون أن ذلك كله حق، وهم في القيامة عند النظر والعيان أعلى يقينًا، فأراد إبراهيم أن يطمئن قلبه بالنظر الذي هو أعلى اليقين. وقال غيره: لم يشك إبراهيم في الإحياء، وإنما قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} والجهل في الكيفية لا يقدح في اليقين بالقدرة، إذ ليس من المؤمنين أحد يؤمن بغيوب وبخلق السماوات والأرض إلا وقد يجهل الكيفية، وذلك لا يقدح في إيمانه، فضرب الله لإبراهيم مثلا من نفسه فقال له: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} الآية. فكما أحيي هذِه الطيور عن دعوتك فكذلك أحيي أهل السماوات والأرض عن نفخة الصور، {وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} في صنائعه، إذ صنائعه لا عن مباشرة إلا عن قوله: {كُن} وما سواه من الصناعين فلا يتم له صنع إلا بمباشرة، وفي ذلك ذلة ومفارقة للعزة {حَكِيمٌ} أي: في أفعاله وإن كان (بائنًا عنها) (٣)، والصانع إذا باين من صنعته تختل أفعاله إذا كان بائنًا.

وقوله: ("يرحم الله لوطًا"). إلى آخره، فإنه أراد قوله لقومه: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: ٨٠] في الوقت الذي ضاق فيه


(١) تقدم تخريجه.
(٢) في الأصل: فأعلمهم وفي هامشها: لعله أو البت: فأعلمه.
(٣) في (ص ١): بائنًا عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>