إن قلت: ما وجه خصوصية الكاذب في رؤياه بما خصه به من تكليف العقد بين طرفي شعيرتين يوم القيامة؟ وهل الكاذب في الرؤيا إلا كالكاذب في اليقظة؟ وقد يكون الكذب في اليقظة أعظم في الجرم إذا كان شهادة توجب على المشهود عليه بها حدًّا، أو قتلاً أو مالاً يؤخذ منه وليس ذلك في كذبه في منامه؛ لأن ضرر ذلك عليه في منامه وحده دون غيره.
قيل له: اختلفت حالاهما في كذبهما؛ فكان الكاذب على عينيه في منامه أحق بأعظم النكالين؛ وذلك لتظاهر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن "الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة" على ما سلف، لا يكون إلا وحيًا من الله، فكان معلومًا بذلك أن الكاذب في نومه كاذب على الله أنه أراه ما لم ير. والكاذب على الله أعظم فرية، وأولى بعظيم العقوبة (من الكاذب)(١) على نفسه بما أتلف به حقًّا لغيره أو أوجبه عليه، وبذلك نطق محكم التنزيل فقال تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى على اللهِ كَذِبًا} الآية [الأنعام: ٢١] فأبان ذلك أن الكذب في الرؤيا ليس كاليقظة؛ لأن أحدهما كذب على الله والاخر كذب على المخلوقين. فإن قلت: فما الحكمة في ذكر الشعير دون غيره من أنواع الحبوب؟ قلت: سره لما كان المنام من الشعور وكذب فيه فناسب فيه ذكر الشعير دون غيره إعلامًا له من لفظه.
فصل:
وفيه -كما قال المهلب-: حجة للأشعرية في تجويزهم تكليف