للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وذكر ابن المنذر: أن زيد بن ثابت كان يأخذ على القضاء أجرًا. وروي ذلك عن ابن سيرين وشريح، وهو قول الليث وإسحاق وأبي عبيد، والذين كرهوه ليس بحرام عندهم.

وقال الشافعي: إذا أخذ القاضي جعلاً لم يحرم عندي. واحتج أبو عبيد في جواز ذلك بما فرض الله تعالى للعاملين على الصدقة، وجعل لهم منها حقًّا لقيامهم وسعيهم فيها.

قال ابن المنذر: وحديث ابن السعدي حجة في جواز إرزاق القضاة من وجوهها. قال المهلب: وإنما كره ذلك من كره؛ لأن أمر القضاء إنما هو محمول في الأصل على الاحتساب، ولذلك عظمت منازلهم وأجورهم في الآخرة، ألا ترى أن الله تعالى أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - وسائر الأنبياء عليهم السلام أن يقولوا: ما أسألكم عليه من أجر؛ ليكون ذلك على البراءة من الاتهام.

ولذلك قال مالك: أكره أجر قسام القاضي (١)؛ لأن من مضى كانوا يقسمون ويحتسبون ولا يأخذون أجرًا. فأراد أن يجري هذا الأمر على طريق الاحتساب على الأصل الذي وصفه الله تعالى للأنبياء عليهم السلام؛ لئلا يدخل في هذِه الصناعة من لا يستحقها ويتحيل على أموال المسلمين، وأما من حكم بالحق إذا تصرف في مصالح المسلمين فلا يحرم عليه أخذ الأجر على ذلك.

وقد روي عن عمر بن الخطاب: أنه استعمل ابن مسعود على بيت المال، وعمار بن ياسر على الصلاة، وابن حنيف (٢) على الجند،


(١) انظر: "المدونة" ١/ ٦٥، ٤/ ٢٧٠ - ٢٧١.
(٢) رواه ابن سعد في "الطبقات" ٣/ ٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>