للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما الرأي المذموم والقياس المتكلف فهو ما لم يكن على هذه الأصول؛ لأنه ظن ونزغ من الشيطان يوضحه قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦] قال ابن عباس - رضي الله عنه -: لا تقل ما ليس لك به علم. وقال قتادة: لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم (١). وأصل القفو العَضُهِ والبهت فنهى الله عباده عن قول ما لا علم لهم به، فإنه سائل عما قال صاحبها فتشهد عليه جوارحه بالحق، ومثل هذا حديث الباب، ألا ترى أنه وصفهم بالجهل فلذلك جعلهم ضآلين وهم خلاف الذين قال الله تعالى فيهم {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣] وأمرهم بالرجوع إلى قولهم.

فإن قلت: قول سهل، وعمر - رضي الله عنهما -: اتهموا الرأي. يرد قول من استعمله في الدين، وأنه لا يجوز شيء منه؛ لأنهم أخطأوا يوم أبي جندل في مخالفتهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٢) في صلحه المشركين ورده لأبي جندل إلى أبيه وهو يستغيث وكان قد عذب في الله وهم يظنون أنهم محسنون (في مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (٣).

قيل: وجه قولهما: الرأي الذي هو خلاف لرأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورأيه على الدين الذي هو نظير آرائنا التي كنا خالفنا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أبي جندل، فإن ذلك خطأ.

فأما الاجتهاد من الكتاب والسنة والإجماع فذلك هو الحق الواجب والفرض اللازم لأهل العلم وبنحو هذا جاءت الأخبار عن الشارع وعن


(١) أثر ابن عباس وقتادة رواهما الطبري في "تفسيره" ٨/ ٨٠.
(٢) وقع هنا في الأصل جملة: قيل وجه قولهما الرأي الذي هو خلاف لرأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ذكرت مرة أخرى بعد قوله: (وهم يظنون أنهم محسنون).
(٣) من (ص ١).

<<  <  ج: ص:  >  >>