للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والحلول محدث والحوادث لا تليق به تعالى، لدلالتها على حدث من قامت به، فوجب صرف (عند) عن ظاهرها إلا ما يليق به تعالى؛ وهو أنه أراد - عليه السلام - إثبات علمه بإثابة من سبق علمه أنه عامل بطاعته، وعقاب من سبق علمه أنه عامل بمعصيته. و (عند) وإن كان وضعها في اللغة المكان فقد يتوسع فيها فتجعل لغير المكان، كقوله - عليه السلام -: "أنا عند ظن عبدي بي" ولا مكان هناك (١).

فصل:

وقوله: ("إن رحمتي تغلب غضبي") قد سلف أن رحمة الله تعالى إرادته لإثابة المطيعين له، وغضبه إرادته لعقاب العاصين له، وإذا كان ذلك كذلك كان معنى قوله: "إن رحمتي تغلب غضبي": إن إرادتي ثواب الطائعين لي هي إرادتي أن لا أعذبهم، وهو معنى قوله تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]، فإرادته بهم اليسر هي إرادته أن لا يريد بهم العسر، وكان ما أراد من ذلك بهم لم يكن ما لم يرده، فعبر - عليه السلام - عن هذا المعنى بقوله: "إن رحمتي تغلب غضبي".

وظاهر قوله يفيد أن رحمته وغضبه معنيان، أحدهما: غالب للآخر وسابق له، وإذا ثبت أن إرادته واحدة وصفة من صفات ذاته، وأنَّ رحمته وغضبه ليسا بمعنى أكثر من إرادته التي هي متعلقة بكل ما يصح كونه مرادًا وجب صرف كلامه عن ظاهره؛ لأن إجراء الكلام على ظاهره يقتضي حدث إرادته ولو كانت له إرادات كثيرة متغايرة. (٢)


(١) "شرح ابن بطال" ١٠/ ٤٢٨.
(٢) الصواب إثبات صفتي الرحمة والغضب وأنهما غير الإرادة، وانظر ما سلف من تعليق ص ١٨٥ - ١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>