وفي صحة هذا نظرٌ، والظاهر أن ذوات الأرواح لم تكن محرمة عليهم، إنما كان يحرم عليهم ما تأكله النار. وقد ذهب طائفةٌ من العلماء -منهم الإمام أحمد- إلى أنَّ الغالَّ من الغنيمة يحرق رحله كله إلا ما له حرمةٌ من حيوانٍ أو مصحف، وورد في ذلك أحاديث تذكر في موضع آخر إن شاء الله -سبحانه وتعالى-. وقد قالت طائفة من العلماء: إنَّ المحرم على من كان قبلنا هو المنقولات دون ذوات الأرواح، واستدلُّوا بأن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - كانت له هاجر أمة، والإماء إنما يكتسبن من المغانم. ذكر هذا ابن عقيل وغيره. وفي هذا نظرٌ، فإن هاجر وهبها الجبار لسارة فوهبتها لإبراهيم ويجوز أن يكون في شرع من قبلنا جواز تملك ما يملكه الكفار باختيارهم دون ما يغنم منهم. وقد ذهب أكثر العلماء إلى أنَّ الكافر إذا أهدى إلى آحاد المسلمين هديةً فله أن يتملكها منه ويختص بها دون غيره من المسلمين. وقال القاضي إسماعيل المالكىُّ: إنما اختصت هذِه الأمة بإباحة المنقولات من الغنائم، فأما الأرض فأنها فيء وكانت مباحة لمن قبلنا، فإن الله تعالى أورث بني إسرائيل فرعون، وهذا بناء على أن الأرض المأخوذة من الكفار تكون فيئًا سواء أخذت بقتال أو غيره، وهو قولُ أبي حنيفة، ومالك، وأحمد في المشهور عنه. ومن الناس من يقول: إنما حرم على من كان قبلنا الغنائم المأخوذة بقتال دون الفيء المأخوذ بغير قتال، قالوا: وهاجر كانت فيئًا لا غنيمة، لأن الجبار الكافر وهبها لسارة باختياره. وقد قال طائفةٌ من العلماء: إن ما وهبه الحربي لمسلبم يكون فيئًا، وزعم بعضهم أنَّ المحرم على من كان قبلنا كان خمس الغنيمة خاصَّةً كانت النار تأكله وتقسم أربعة أخماسه بين الغانمين -وهذا بعيدٌ جدًا- واستدلوا بما خرجه البزارُ من رواية سالم أبي حماد، عن السديِّ، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس، عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أعطيت خمسًا لم يعطها أحدٌ قبلي" فذكر الحديث وقال فيه: "وكانت الأنبياء يعزلون الخمس فتجيء النار فتأكله، وأمرت أنا أن أقسمه في فقراء أمتي". "فتح الباري" لابن رجب ٢/ ٢١١ - ٢١٤.