(٢) قال الشوكاني رحمه الله: اعلم أنه قد وقع الاتفاق على ترك القنوت في أربع صلوات من غير سبب، وهي: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ولم يبق الخلاف إلا في صلاة الصبح من المكتوبات وفي صلاة الوتر من غيرها. فأما القنوت في صلاة الصبح فاحتج المثبتون له بحجج منها: حديث البراء وأنس الآتيان. ويجاب بأنه لا نزاع في وقوع القنوت منه - صلى الله عليه وسلم -، إنما النزاع في استمرار مشروعيته، فإن قالوا: لفظ: كان يفعل. يدل على استمرار المشروعية. قلنا: قد قدمنا عن النووي ما حكاه عن جمهور المحققين. أنها لا تدل على ذلك. سلمنا فغايته مجرد الاستمرار، وهو لا ينافي الترك آخرًا كما صرحت بذلك الأدلة الآتية على أن هذين الحديثين فيهما أنه كان يفعل ذلك في الفجر والمغرب، فما هو جوابكم عن المغرب فهو جوابنا في الفجر. وأيضًا في حديث أبي هريرة المتفق عليه أنه كان يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح، فما هو جوابكم عن مدلول لفظ كان ها هنا، فهو جوابنا. قالوا: أخرج الدارقطني وعبد الرزاق وأبو نعيم وأحمد والبيهقي والحاكم وصححه عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرًا يدعو على قاتلي أصحابه ببئر معونة ثم ترك. فأما الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا: وأوّل الحديث في الصحيحين، ولو صحّ هذا لكان قاطعًا للنزاع، ولكنه من طريق أبي جعفر الرازي. قال فيه عبد الله بن أحمد: ليس بالقويّ. وقال عليّ بن المديني: إنه يخلط. وقال أبو زرعة: يهم كثيرًا. وقال الدوري: ثقة ولكنه يغلط صدوق سيّئ الحفظ. وقال ابن معين: ثقة ولكنه يخطئ. وقال الدوري: ثقة ولكنه يغلط وحكى السّاجي أنه قال: صدوق ليس بالمتقن، وقد وثقة غير واحد. ولحديثه هذا شاهد، ولكن في إسناده عمرو بن عبيد، وليس بحجة. قال الحافظ: ويعكر على هذا ما رواهُ الخطيب من طريق قيس بن الربيع عن عاصم بن سليمان. قلنا لأنس: إن قومًا يزعمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يقنت في الفجر، فقال كذبوا إنما قنت شهرًا واحدًا يدعو على حيّ من أحياء المشركين، وقيس وإن كان ضعيفًا لكنه لم يتهم بالكذب. وروى ابن خزيمة في "صحيحه" من =