إذا تقرر لك هذا علمت أن الحق ما ذهب إليه من قال: إن القنوت مختصٌ بالنوازل، وأنه ينبغي عند نزول النازلة ألَّا تخص به صلاة دون صلاة. وقد ورد ما يدل على هذِه الاختصاص من حديث أنس عند ابن خزيمة في "صحيحه"، وقد تقدم، ومن حديث أبي هريرة عند ابن حبان بلفظ: كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد، وأصله في البخاري كما سيأتي، وستعرف الأدلة الدالة على ترك مطلق القنوت ومقيده، وقد حاول جماعة من حذّاق الشافعية الجمع بين الأحاديث بما لا طائل تحته، وأطالوا الاستدلال على مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير طائل. وحاصله ما عرّفناك، وقد طوّل المبحث الحافظ ابن القيم في "الهدي"، وقال ما معناه: الإنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف أنه - صلى الله عليه وسلم - قنت وترك، وكان تركه للقنوت أكثر من فعله، فإنه إنما قنت عند النوازل للدعاء للقوم وللدعاء على آخرين، ثم تركه لما قدم من دعا لهم وخلصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم وجاءوا تائبين، وكان قنوته لعارض، فلما زال ترك القنوت. وقال في غضون ذلك المبحث: إن أحاديث أنس كلّها صحاح يصدّق بعضها بعضًا ولا تتناقض، وحمل قول أنس: ما زال يقنتُ حتى فارق الدنيا. على إطالة القيام بعد الركوع. قال: وأجاب عن تخصيصه بالفجر بأنه وقع بحسب سؤال السائل، فإنه إنما سأل أنسًا عن قنوت الفجر فأجابه عما سأله عنه، وبأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يطيل صلاة الفجر دون سائر الصلوات، قال: ومعلوم أنه كان يدعو ربه، ويثني عليه، ويمجّده في هذا الاعتدال، وهذا قنوت منه بلا ريب فنحن لا نشك ولا نرتاب أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا، ولما صارت القنوت في لسان الفقهاء وأكثر الناس هو هذا الدعاء المعروف: "اللهمّ اهدني فيمن هديت" … إلخ وسمعوا أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا، وكذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة حملوا القنوت في لفظ الصحابة على القنوت في اصطلاحهم، ونشأ من لا يعرف غير ذلك، فلم يشك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا مداومين على هذا كل =