لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يزل مسافرًا منذ خرج من المدينة، وقصر بذي الحليفة إلى أن انصرف إلى المدينة، ولم ينو في شيء من ذلك إقامة.
وادعى ابن بطال أن أصح الأقوال في المسألة قول مالك، ومن وافقه، وبيان ذلك من حديث ابن عباس مع الحديث الذي جاء أن يوم عرفة كان يوم الجمعة، أن مقامه بمكة في حجته كانت عشرة أيام كما قَالَ أنس في حديثه. وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - قدم مكة صبح رابع ذي الحجة، وكان يوم الأحد، صلى الصبح بذي طوى، واستهل ذو الحجة ذلك العام ليلة الخميس، فأقام بمكة يوم الأحد إلى ليلة الخميس، ثم نهض ضحوة يوم الخميس إلى مني، فأقام بها باقي نهاره وليلة الجمعة، ثم نهض يوم الجمعة إلى عرفات، أي: بعد الزوال، وخطبته بنمرة بقرب عرفات، وبقي بها إلى الغروب، ثم أفاض ليلة السبت إلى المزدلفة فأقام بها إلى أن صلى الصبح، ثم أفاض بها قبل طلوع شمس يوم السبت، وهو يوم الأضحى والنفر إلى منى، فرمى جمرة العقبة ضحوة، ثم نهض إلى مكة ذلك اليوم فطاف بالبيت قبل الزوال، ثم رجع في يومه ذلك إلى منى، فأقام بها باقي يوم السبت، والأحد والاثنين والثلاثاء، ثم أفاض بعد ظهر الثلاثاء وهو آخر أيام التشريق إلى المحصب، فصلى به الظهر، وبات فيه ليلة الأربعاء، وفي تلك الليلة أعمر عائشة من التنعيم، ثم طاف طواف الوداع سحرًا قبل صلاة الصبح من يوم الأربعاء، وهو صبيحة رابع عشرة، فأقام عشرة أيام كما سلف من حديث أنس، ثم نهض إلى المدينة، وكان خروجه من المدينة إلى مكة يوم السبت لأربع بقين من ذي القعدة، وصلى الظهر بذي الحليفة، وأحرم بإثرها، وهذا كله مستنبط من قوله:(قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لصبح رابعة من ذي الحجة)، ومن الحديث الذي جاء أن يوم عرفة كان يوم جمعة، وفيه