وقوله: ("فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ") أي: لست بنبي فلن تجاوز قدرك، فإنما أنت كاهن ودجال. وقيل: أن تسبق قدر الله فيك وفي أمرك. قَالَ ابن التين: ووقع هنا بغير واو. وقال القزاز: هي لغة لبعض العرب يجزمون بلن مثل لم، وذكر أن بعض القراء قرأ {لن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا}[التوبة: ٥١] وقال ابن الجوزي: لا تبلغ قدرك، أي: تطالع بالغيب من قبل الوحي المخصوص بالأنبياء، ولا من قبيل الإلهام الذي يدركه الصالحون، وإنما كان الذي قاله من شيء ألقاه الشيطان إليه إما لكونه - عليه السلام - تكلم بذلك بينه وبين نفسه فسمعه الشيطان، وإما أن يكون الشيطان سمع ما يجري بينهما من السماء؛ لأنه إذا قضي القضاء في السماء تكلمت به الملائكة فاسترق الشيطان السمع، وإما أن يكون - عليه السلام - حدث بعض أصحابه بما أضمر. ويدل عليه قول ابن عمر: وخبأ له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}[الدخان: ١٠].
فالظاهر أنه أعلم الصحابة بما يخبأ له، أو أن يكون اعتمد ذلك؛ لأن الدخان يستر أعين الناظرين عن الشمس.
وقد روى الطبراني أنه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لأصحابه:"خبأت له سورة الدخان" من حديث زيد بن حارثة (١)، وإنما فعل الشارع ذلك به؛ ليختبره على طريقة الكهان كما سلف؛ وليبين للصحابة حاله وكذبه.
(١) رواه في "الكبير" ٥/ ٨٨ (٤٦٦٦)، و"الأوسط" ٤/ ١٦٤ (٣٨٧٥)، وقال: لم يرو هذا الحديث عن فرات القزاز إلا ابنه الحسن، ولا عن ابنه إلا ابنه زياد، تفرد به إبراهيم بن عيسى التنوخي، وأورده الهيثمي في "المجمع" ٨/ ٤، وقال: رواه البزار والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وفيه: زياد بن الحسن بن فرات ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن حبان.