للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان قد مات على غير دين الإسلام؛ لأن يكون أخف أهل النار عذابًا فهو في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه، ولولا الشارع لكان في الدرك الأسفل، فنفعه له لو شهد بشهادة التوحيد، وإن كان ذلك عند المعاينة أحرى بأن يكون.

ثالثها: أن أبا طالب كان ممن عاين البراهين، وصدق معجزاته ولم يشك في صحة نبوته، وإن كان ممن حملته الأنفة وحمية الجاهلية على تكذيبه، وكان سائر المشركين ينظرون إلى رؤسائهم ويتبعون ما يقولون، فاستحق أبو طالب ونظراؤه على ذلك من عظيم الوزر وكبير الإثم، إن باءوا بإثمهم على تكذيبه، فرجا له المحاجة بكلمة الإخلاص عند الله حَتَّى يسقط عنه إثم العناد والتكذيب لما قد تبين حقيقته، وإثم من اقتدى به في ذلك، وإن كان الإسلام يهدم ما قبله، لكنه آنسه بقوله: "أحاج لك بها عند الله" لئلا يتردد في الإيمان ولا يتوقف عنه لتماديه على خلاف ما تبين حقيقته وتورطه في أنه كان مضلاًّ لغيره.

وقيل: إن قوله: "أحاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ" كقوله "أشهدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ"؛ لأن الشهادة للمرء حجة له في طلب حقه، ولذلك ذكر البخاري هنا الشهادة؛ لأنه أقرب للتاويل وذكر "أحاج" في قصة أبي طالب في كتاب المبعث (١)، لاحتمالها التأويل، ووقع لابن إسحاق أن العباس قَالَ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا ابن أخي، إن الكلمة التي عرضتها على عمك سمعته يقولها. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لم أسمع" (٢).

قَالَ السهيلي: لأن العباس قَالَ ذلك في حال كونه على غير


(١) سيأتي برقم (٣٨٨٤).
(٢) رواه ابن إسحاق في "السيرة" ص ٢٢٢ - ٢٢٣ (٣٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>