-وكانت من الغوابر- أنها كانت تأتي قبور الشهداء، قالت: صليت يومًا عند قبر حمزة بن عبد المطلب، فلما قمت قلتُ: السلام عليكم، فسمعت أذناي رد السلام يخرج من تحت الأرض، أعرفه كما أعرف أن الله خلقني، وما في الوادي داع ولا مجيب، فاقشعرت كل شعرة مني. وعن عامر بن سعد أنه كان إذا خرج إلى قبور الشهداء يقول لأصحابه: ألا تسلمون على الشهداء فيردون عليكم؟ (١)
وقال آخرون: معناه، ما أنتم بأعلم أنه حق منهم، ورووا ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكروا قول عائشة حين أنكرت على ابن عمر وقالت: إنما قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إنهم ليعلمون الآن أن ما كنت أقول لهم حق". قالوا: فخبر عائشة يبين ما قلنا من التأويل، إلا أنه أخبر أنهم يسمعون أصوات بني آدم وكلامهم. قالوا: ولو كانوا يسمعون كلام الناس وهم موتى لم يكن لقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى}[النمل: ٨٠]{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُورِ}[فاطر: ٢٢] معنى. وصوب الطبري تصحيح كل من الروايتين، والواجب الإيمان بها والإقرار بأن الله يسمع من يشاء من خلقه ما شاء من كلام خلقه، ويفهم من يشاء منهم ما يشاء، وينعم من أحب منهم ويعذب في قبره الكافر، ومن استحق العذاب كيف أراد، على ما صحت به الروايات عن سيد البشر، وليس في قوله:{إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُورِ}[فاطر: ٢٢] حجة في دفع ما صحت به الآثار في قرع النعال وقصة القليب، إذ كان قوله:{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُورِ}{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى}
(١) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٣/ ٢٨ - ٢٩ (١١٧٨٧) كتاب: الجنائز، باب: التسليم على القبور إذا مر بها.