للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= "الاعتصام" ٢/ ٩ الحكم الجديرة بالإذاعة" ص ٥٥.
الوجه الثاني: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكان ابن عمر يتحرى أن يسير مواضع سير النبي - صلى الله عليه وسلم - وينزل مواضع منزله ويتوضأ في السفر حيث رآه يتوضأ ويصب فضل مائه على شجرة صب عليها، ونحو ذلك بما استحبه طائفة من العلماء ورأوه مستحبا، ولم يستحب ذلك جمهور العلماء، كما لم يستحبه، ولم يفعله أكابر الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود ومعاذ بن جبل وغيرهم، لم يفعلوا مثل ما فعل ابن عمر. ولو رأوه مستحبا لفعلوه كما كانوا يتحرون متابعته والاقتداء به.
وذلك؛ لأن المتابعة أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل، فإذا فعل فعلًا على وجه العبادة شرع لنا أن نفعله على وجه العبادة، وإذا قصد تخصيص مكان أو زمان بالعبادة خصصناه بذلك، كما كان يقصد أن يطوف حول الكعبة، وأن يستلم الحجر الأسود، وأن يصلي خلف المقام، وكان يتحرى الصلاة عند إسطوانة مسجد المدينة، وقصد الصعود على الصفا والمروة، والدعاء، والذكر هناك، وكذلك عرفة ومزدلفة وغيرهما.
وأما ما فعله بحكم الاتفاق ولم يقصده -مثل أن ينزل بمكان ويصلي فيه لكونه نزله لاقصدًا لتخصيصه به بالصلاة والنزول فيه- فإذا قصدنا تخصيص ذلك المكان بالصلاة فيه، أو النزول لم نكن متبعين، بل هذا من البدع التي كان ينهى عنها عمر بن الخطاب: كما ثبت بالإسناد الصحيح من حديث شعبة عن سليمان التيمي عن المعروف بن سويد، قال: كان عمر بن الخطاب في سفر فصلى الغداة ثم أتى على مكان فجعل الناس يأتونه فيقولون: صلى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال عمر: إنما هلك أهل الكتاب أنهم اتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعا، فمن عرضت له الصلاة فليصل، وإلا فليمض.
فلما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه بل صلى فيه؛ لأنه موضع نزوله رأى عمر أن مشاركته في صورته الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة، بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها، ونهى المسلمين عن التشبه بهم في ذلك، ففاعل ذلك متشبه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في الصورة ومتشبه باليهود والنصارى في القصد الذي هو عمل القلب. =

<<  <  ج: ص:  >  >>